غزيون يرددون: صامدون في بيوتنا لتحدي مخطط التهجير
غزيّون يقرّرون البقاء في منازلهم رغم احتمال موتهم تحت الأنقاض، وذلك تمسّكاً بأرضهم وتحدّياً للاحتلال الذي يسعى إلى تهجيرهم.
"والله عمرك أكبر من الاحتلال"، تقول السبعينية سعاد كساب مخاطبة جدران بيتها الذي تتفقّده في البلدة القديمة في غزة، وسط أصوات قصف الاحتلال الإسرائيلي الجنوني، وإغراق القطاع بشتى أنواع الصواريخ والقذائف التي تقدّر بمليارات الدولارات، بهدف تهجير الشعب الفلسطيني من الشمال نحو الجنوب تمهيداً لطرده من غزة.
تسكن سعاد، في سباطها وهو منزل ينتمي لأحد الشواهد المعمارية الأثرية التي بنيت في الفترة العثمانية وما زالت موجودة حتى يومنا هذا، ممثّلة أحد الرموز المهمة لمدينة غزة، كونها عبارة عن مكان يحتوي غرفة ناتئة للمراقبة يفصل بين الحارات القديمة، تجري من خلاله مراقبة الأشخاص الغرباء الذين يدخلون الحارة، ليشكّل صمام الأمان الذي تستند إليه العائلات خاصة خلال ساعات الليل.
تروي كساب أنها رفضت كل محاولات بيع منزلها الأثري، ولن تسمح للاحتلال الإسرائيلي أن يخرجها منه بالقوة، ومن ثم يسرقه وينسبه لنفسه كمل فعل مع بيوت فلسطين، معتبرة نفسها حارسة التراث في البلدة القديمة التي يفوق عمر أصغر حجر داخلها عمر الاحتلال وبعض الداعمين له، الذين يهدفون من خلال الحرب النفسية والميدانية إلى إبادة المدينة المحاصرة التي تواجه الحرب وحدها.
في مشهد آخر، يمسك محمد عزام بمنشور ألقته طائرات الاحتلال خلال رحلة عودته من المخبز إلى منزله في حيّ الزيتون. هناك حيث انتظر نحو 5 ساعات متواصلة واقفاً داخل طابور جمع الكثير من سكان الأحياء المجاورة طمعاً ببضع أرغفة. قال عزام في نفسه: "هل صبرت 16 يوماً لكي أترك لكم بيتي ما إن تلقون إليّ بهذه الورقة؟ لن ترهبني ورقتكم أكثر من الصواريخ اللعينة التي تنهال علينا".
يسكن محمد عزام في عمارة سكنية مكوّنة من عدة طوابق مع أشقائه، وما إن بدأت "إسرائيل" حربها النفسية عبر إلقاء المناشير والاتصالات، حتى أصبح الجميع وكأنهم في يوم البعث. الكل يريد الهروب لكن لا يدري إلى أين، وذلك "كان كل ما فعلته هو الصراخ بأعلى صوتي، صرخت بالجميع: أتفرون من قدر الله إلى قدر الله؟ أي أمان ترجونه من محتل قذر ذي سجلات حافلة بالمجازر؟ فليرجع الجميع إلى دياره"، يخبرنا عزام الذي قرر وعائلته الموت في بيته أو الصمود إلى أن يأتي الله بنصر قريب.
لا يخفي عزام أن أحد أهم أسباب بقائه في بيته هو توقّعه بأن الحرب النفسية ستكون وطأتها أشد وأعنف من قصف الطائرات، ذلك أن الاحتلال "لن يترك غزياً آمناً في بيته". لذلك اتخذ قراره الحاسم برفع معنويات عائلته، مشيراً إلى أن عدداً من الجيران تأثّروا بموقفه ورجعوا إلى بيوتهم، خاصة عندما تخيّلوا الذل الذي سيعيشونه إذا خرجوا من ديارهم في ظل انقطاع المياه وتحوّل النازحين إلى صيد سهل لآلة القتل الصهيونية.
قصص صمود الغزيّين لا تنتهي. فهذه نسرين أبو كميل تتفقّد جارتها كل يوم وتشاركها بعض الخبز والماء كي لا تموت جوعاً، خاصة بعد أن أبادت طائرات الاحتلال مربعات سكنية في حي تل الهوى، وهددت بقصف مستشفى "القدس" على رؤوس من فيها. تقضيان نهارهما في البيت وتفران ليلاً للمبيت بالمستشفى، لأن "الموت مع الجماعة رحمة"، كما تقول نسرين وهي تطلق ابتسامتها العبثية.
وتفصح نسرين: "هجّرت من بلدتي في يافا وسكنت في الخيام. ذقت شظف العيش بداخلها وفقدت عائلتي خلال البرد، ثم انتقلت للمخيم وعانيت ما عانيت، لذلك سأبقى صامدة في منزلي. لن أنجب لأحفادي خيمة جديدة. سيبقون في بيوتهم بكرامة وإلا سيصعدون إلى الجنة زمراً"، مؤكدة أن هذا قرارها النهائي ولن تتنازل عنه مهما زادت حدة الحرب التي يشنها المحتل.
أما محمد شمالي، فيروي والدموع في عينيه "لم أنتهِ بعد من تسديد قرض البنك الذي بنيت به شقة لأطفالي الخمسة لكي ينعموا بدفء المنزل. لهذا لن أسمح للاحتلال بسلبه مني. لن يستطيع الاحتلال تدمير بيتي سوى في حالة واحدة فقط، أن يهدمه فوق رأسي. عندها لن يكون لنا به أي حاجة، لأن منزلنا سيكون حينها في الجنة حيث لا حروب ولا إبادة".